








العيد لغةً: ما يعود كلّ فترةٍ من الدهر(1 ).
وخُصّ في الفهم الاجتماعيّ باليوم الذي يعود كلّ عام.
واقترن اجتماعيّاً بإظهار الفرح والانشراح، ومن ثَمَّ لم تسمّ الذكريات المحزنة بالأعياد.
واتّفق العقلاء على اتّخاذ نحوٍ معيّن من السلوك في كلِّ عيد، أساسه إظهار الفرح بالتهنئة، ولبس الثياب الحسنة، والتزاور بين المعارف والأصدقاء ونحو ذلك.
وقد يقترن ذلك عند عدد من الناس، أو في بعض المجتمعات بفعاليّاتٍ معيّنةٍ يقصد بها التحلّل من الأعراف والقيود الاجتماعيّة التي تثقل كاهلهم طول العام؛ ليكون ذلك موجباً لزيادة الشعور بالانشراح خلال العيد، كما قد تقترن فكرة العيد في بعض الأعراف أو المجتمعات بفعاليّةٍ معيّنةٍ مقترنةٍ ذهنيّاً بهذا العيد، تنشأ من تبانٍ اجتماعيٍّ قديمٍ في القيام بهذه الفعاليّة المعيّنة.
وافتراض يومٍ معيّنٍ عيداً ناشئٌ لا محالة - بصفته تشريعاً اجتماعيّاً معيّناً- من منشأٍ يغلب أن يكون ذكرى بعض الحوادث القديمة، كالانتصار في الحروب، أو القيام بعملٍ أساسيٍّ في المجتمع، أو ميلاد قائدٍ عظيم، وهكذا.
وقد جرى الإسلام في تعيين أعياده على ذلك، ومن هنا كان مقتضى الوعي الإسلامي هو مشاركة الإسلام في عيده، وإظهار الفرح والانشراح الذي يُظهره الناس عادةً في أعيادهم مع اتّخاذ الأساليب الراجحة إسلاميّاً وتجنّب ما ليس كذلك، فضلاً عن المحرّمات، يضاف إلى ذلك القيام بالأعمال الخاصّة التي شرّعها الإسلام في كلِّ عيدٍ على التعيين.
وتنقسم الأعياد في الإسلام إلى عيدٍ تشريعيّ، وعيد مناسبة، وذلك باختلاف المنشأ لجعله عيداً في الإسلام.
فإن كان عيداً مجعولاً في الإسلام، كحكمٍ من أحكامه، مع غضّ النظر عن مناسباتٍ تاريخيّة، فهو عيدٌ تشريعيّ، وينحصر ذلك في العيدين الرئيسيّين في الإسلام: عيد الفطر، وعيد الأضحى.
والمغزى الأساسيّ للعيد التشريعيّ، هو الفراغ من عبادةٍ مهمّةٍ من عبادات الإسلام؛ فإنَّ الفرد المسلم إذا انتهى من واجبٍ عباديّ، يحسّ لا محالة بالراحة النفسيّة، فإن كان واعياً تجسّد ذلك على شكل الشعور بلذّة الطاعة والقيام بالمسؤوليّة، وإن لم يكن واعياً، تجسّد ذلك على شكل الإحساس بإلقاء حملٍ ثقيلٍ عن كاهله. وعلى الأساس الواعي لهذا الإحساس أُسِّس العيد التشريعيّ في الإسلام.
فإنَّ كلا العيدين يكونان نهايتين لأصعب وأطول عبادتين في الإسلام، فعيد الفطر نهايةٌ لشهرٍ كاملٍ من الصوم، وعيد الأضحى نهايةٌ لمناسك الحجّ، أو لمواقفه المهمّة على وجه التحديد، ويشترك كلّ المسلمين في الاحتفال بهذين العيدين الكبيرين، أمّا الصائمون والحجّاج فباعتبار نعمة توفيقهم للانتهاء من المهمّة الكبيرة والعبادة الصعبة، وما نالوه من القرب والثواب عند الله عزّ وجلّ، وما قاموا به من المسؤوليّة الإسلاميّة. وأمّا غيرهم من المسلمين، فباعتبار المشاركة لهم لعواطفهم أخذاً بمفهوم الأُخوّة والتعاطف الإسلاميّين، وهم وإن لم يُكتب لهم القيام بهذه العبادة الكبرى في هذا العام لبعض الأعذار، فسيوفَّقون في عامٍ مقبل، للتشرّف بذلك، ويشعرون بنفس اللذّة والنعمة.
وبهذا الاعتبار نرى كلاً من العيدين مسبوقاً بيومٍ عباديٍّ كبيرٍ يعتبر البُحران(2 ) أو المركز الرئيسيّ أو محطّ الثقل لأداء تلك العبادة التي تسبق ذلك العيد، ويعتبر العيد نهايةً لها وخروجاً عن مسؤوليّتها، فنرى عيد الفطر مسبوقاً بليلة القدر، وهي محطّ الثقل في شهر رمضان، وأشرف لياليه وبمنزلة مركز العبادة المؤدّاة فيه. كما نرى عيد الأضحى مسبوقاً بيوم عرفة الذي يمثّل مركز الثقل في الحجّ، والموعد لأكبر مواقفه، بل لو وسّعنا مفهومه إلى الليلة اللاحقة كان موعداً للركنين الرئيسيّين في الحجّ، وهما أعلى ما فيه من واجباتٍ وأهمّها على وجه التحديد، وعند الانتهاء منها مباشرةً تشرق شمس عيد الأضحى حاملةً إلى الوجود تباشير الفرح الواعي بالفراغ من هذه المهمّة الكبيرة، والمسؤوليّة الإسلاميّة.
إذن، فالعيد التشريعيّ في الإسلام قائمٌ على أساس الفراغ من عبادةٍ مهمّةٍ من عبادات الإسلام.
وأمّا أعياد المناسبات فتقوم على أساس استذكار مناسباتٍ تأريخيّة، وحوادث مهمّةٍ إسلاميّةٍ أو مذهبيّة، كان لها الأثر الكبير في وجود الإسلام أو انتشاره أو حفظه ضدّ الاعتداء، أو نحو ذلك من المناسبات، كيوم ميلاد الرسول (صلى الله عليه وآله)، ويوم مبعثه، ويوم انتصاره في بدرٍ وأُحد، ويوم مباهلته مع نصارى نجران، وكيوم مولد أمير المؤمنين×، ويوم الغدير يوم تنصيبه وصيّاً لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ووليّاً على المسلمين بعده، وكأيّام مواليد الأئمّة المعصومين (عليهم السلام)، وغير ذلك من الذكريات.
وتقوم فكرة هذه الأعياد على مصلحةٍ رئيسيّةٍ واعيةٍ حكيمة، وهو تكرار تذكّر تلك المناسبة المهمّة على أذهان الناس وتأكيدها فيهم؛ فإنَّ من طبيعة الجمهور أن ينسى الحادثة بعد مرور عدّة أيّامٍ من وقوعها فضلاً عن السنين، فضلاً عن القرون. فلولا أنَّ هذه الأعياد تلفتهم في كلِّ عام إلى الحوادث الإسلاميّة المهمّة، وتربطهم ذهنيّاً وثقافيّاً بها، لانحجبت هذه الجذوة من صدورهم، وبقيت المناسبة الإسلاميّة في ذمّة التاريخ، فلهذه الأعياد الأثر الكبير في تذكّر الناس واقعهم الإسلامي وربطهم نفسيّاً به، ممّا يكون له الأثر الكبير في نموّهم النفسيّ وتثقيفهم الديني.
نعم، نفس مرور العيد في الزمان مع التغافل عنه، وعدم ترتيب الأثر عليه، لا يكون مفيداً بحال، بل لابدَّ أن يشعر الفرد المسلم بواجبه تجاه العيد، ويفهم كيف يجب أن يقضيه نفسيّاً وعمليّاً بالنحو المرضيّ للإسلام والنافع له وللمسلمين.
****
إذن، فينفتح الكلام سخيّاً في الجواب عن سؤال: إنَّنا كيف نقضي العيد؟
وفي هذا المجال لابدَّ أن نعرف أنَّ الأفراد الذين يعيشون في بلادنا المسلمة على ثلاثة أشكال:
الأوّل: الشخص المنحرف، وهو الذي يعتقد بمبدأٍ ونظامٍ غير الإسلام.
الثاني: الشخص غير الواعي، وإن كان حسن النيّة تجاه الإسلام.
الثالث: الشخص الواعي إسلاميّاً المستوعب للمفهوم الإسلاميّ الكامل.
ولكلٍّ [من] هؤلاء الثلاثة سلوكٌ معيّنٌ في العيد يختلف عن الآخرين، فلابدَّ أن نتبيّن الوجهات العامّة لسلوك كلّ واحدٍ من هؤلاء، مع تبيُّن ما هو صحيحٌ وما هو خطأٌ منه؛ لكي نلتزم كمسلمين واعين بكلِّ ما هو صحيح، ونعرض عن كلِّ ما هو خطأ، ويكون الحديث في ذلك ضمن أقسامٍ ثلاثة:
القسم الأوّل: الشخص المنحرف المعادي للإسلام كمبدأٍ وعقيدةٍ ونظام حياة، متّخذاً له مبدأً ونظاماً آخر من النظم الكافرة، ومثل هذا الشخص لا يخلو موقفه من أنحاءٍ ثلاثة من السلوك:
النحو الأوّل: الموقف السلبيّ القائم على إنكار أن يكون هذا اليوم من الأعياد أساساً، باعتباره عيداً في نظر الإسلام الذي لا يعتقد به هذا المنحرف كمبدأٍ ونظام، على حين إنَّ المبدأ الذي يتبنّاه لا يقرّ هذا العيد ولا يتبنّاه.
وهذا الموقف تحدٍّ للإسلام، يترتّب عليه سائر الضلالات والانحرافات، والفساد الذي يترتّب على تحدّي الإسلام بصفته الأُطروحة الوحيدة العادلة لحلِّ المشاكل في العالم، كما أنَّه تحدٍّ لعواطف المسلمين الفرحين بهذا العيد، الشاعرين بالمسؤوليّة الإسلاميّة تجاهه، وفي المسلمين جاره وقريبه ونسيبه وصديقه، وفي هذا ما لا يخفى من زرع الأضغان والأحقاد والانشقاق بين أفراد المجتمع الواحد، كالذي عانيناه في عصورنا المتأخّرة.
النحو الثاني: الموقف الإيجابي المضادّ للإسلام، والقائم على أساس محاولة التقليل من أهمّيّة العيد في نظر الناس، وتشكيكهم بأصالته ولزوم تبنّيه بجملةٍ من الأساليب الهدّامة المعروفة.
وكذلك يقوم هذا الموقف الإيجابي على التثبيط عن الاحتفال بالعيد أو إظهار السرور، أو القيام بالفعاليّات الإسلاميّة فيه، تثبيطاً مركّزاً جهد المستطاع، وإن أمكن المنع عن إقامة مثل هذه الفعاليّات، كان المنحرف أوّل المانعين عنها لا محالة.
النحو الثالث: استغلال هذه المناسبات التي تقترن بالتعطل عن العمل في يوم العيد اعتياديّاً، والتجمّع لأجل غرض القيام بالفعاليّات المطلوبة، استغلال ذلك باندساس المنحرف بين الناس لأجل تفريق الصفوف والدعوة ضدّ الإسلام، وتبليغ مفاهيمه التي يُؤمن بها، وغير ذلك من الأغراض.
وكلّ ذلك عداءٌ سافرٌ للإسلام كمبدأ ونظام، كما هو واضح.
القسم الثاني: الشخص المتديّن غير الواعي، وهو الذي عرفنا في بعض البحوث السابقة أنَّه يتّصف بوصفين أساسيّين:
أوّلهما: عدم استيعابه لمفاهيم الإسلام.
وثانيهما: انعزاله عن العمل الاجتماعيّ الإسلامي، وبذلك يكون له في العيد أحد موقفين:
الموقف الأوّل: الإعراض عن فكرة العيد، تسامحاً وتهاوناً، باعتبار عدم استعداده للعمل الاجتماعي، وانزوائه عن مشاركة المسلمين في عيدهم الكبير.
والعمل الواعي الصحيح تجاه ذلك، هو محاولة إشراكه بالاحتفال بالعيد جهد الإمكان، وذلك بأن نشخّص الداء الذي منعه عن هذه المشاركة، وتوفير الدواء والحلّ الناجع له. فإن وجدناه عاجزاً عن المشاركة أساساً كالمريض المزمن وغيره عذرناه، وإن وجدناه معرضاً لفقره وضيق ذات يده أعنّاه، لنكون قد قمنا بعملَين خيّرَيْن في نفس الوقت: قضاء حاجة الأخ المؤمن، وتوفير السرور له في العيد الإسلامي.
وإن كان عن غفلةٍ عن كونه عيداً أو عن الحكم الإسلامي في العيد، نبّهناه. وإن كان عن إهمالٍ أو تحدٍّ وعظناه، وناقشناه بما سبق أن قلناه وعدّلناه؛ لكي يصبح بذلك فرداً واعياً مشاركاً لإخوانه المسلمين في أفراحهم الإسلاميّة.
الموقف الثاني: إظهار الفرح في العيد والقيام بالفعاليّات الإسلاميّة من دون تمثّلٍ لمغزى العيد إسلاميّاً، نتيجة لقصور ثقافته وعدم استيعابه لمفاهيم الإسلام، وبذلك يخلو عمله من الروح والمعنى والجوهر، ويبقى تعباً بلا معنى، وجثّةً بلا روح، والموقف الصحيح تجاه أمثال هذا الفرد بعد إحراز حسن النيّة منه، هو توعيته وتثقيفه إسلاميّاً، وعرض المفاهيم الأساسيّة المتّصلة بالعيد عليه، حتّى يشارك المسلمين مشاركةً واعية.
القسم الثالث: الشخص الواعي إسلاميّاً، الداعي إلى دين الله بالحكمة والموعظة الحسنة، والداعي لا يكون إلَّا واعياً، فما هو وظيفة مثل هذا الشخص؟
وحيث إنَّ الإسلام يطلب أن يكون جميع أفراد المجتمع على هذا السلوك والاعتقاد، إذن فالتعاليم التي يعطيها عامّةٌ لكلّ الناس، يأخذ منها كلٌّ منهم بحسب تكليفه ووضعه تجاه الحكم الإسلامي.
ويمكن تلخيص وظيفة الشخص الواعي إسلاميّاً في خضمّ العيد الإسلامي في عدّة نقاط:
النقطة الأُولى: ما شرّعه الله تعالى في أصل شريعته الخالدة من الوظيفة الأساسيّة في العيدين التشريعيّين الكبيرين: الفطر والأضحى، وهو صلاة العيد.
ولا يخفى ما في هذه الصلاة من أثرٍ سامٍ أصيل، مرتبطٍ بالتخطيط الإسلامي العامّ في ربط المجتمع في سائر أيّامه أو أفعاله بالله عزّ وجلّ، والعيد لا ينبغي أن يقضى وقته بإظهار السرور كيف كان، وإنَّما يجب التوجّه فيه إلى الله المنعم المتفضّل بما شرّع من العدل وما وفّق إليه من الهدى، وإنَّ الصلاة لأفضل الطرق الكفيلة بذلك، حيث يستقبل بها يوم العيد عند شروق شمسه، على أنَّها لا تكون مانعةً عن الفعاليّات الأُخرى الراجحة التي سنذكرها.
كما لا ينبغي أن يمرّ الاجتماع للصلاة، بدون أن يُستغَلّ للتبليغ الإسلامي والتوعية الجماهيريّة، ومن هنا اقترنت صلاة العيد بخطبتين بعدها، يقول فيهما الخطيب كلّ ما هو مربوطٌ بالإسلام أو المسلمين، من عرضٍ للمفاهيم، أو حلٍّ للمشاكل، أو تعريف المسلمين على واقعهم وآلامهم وآمالهم، وغير ذلك من الأُمور التي ذكرناها في الحديث عن خطبة صلاة الجمعة في بحثٍ خاصٍّ بها.
النقطة الثانية: ما شرّعه الله تعالى في العيد، من إظهار الفرح الذي يُعتبر تجاوباً وجدانيّاً مع فكرة العيد الإسلاميّة من ناحية، وتجاوباً مع سائر المسلمين من ناحيةٍ أُخرى، وتجاوباً مع قوّاد الإسلام الأوائل: النبيّ (صلى الله عليه وآله) وأهل البيت (عليهم السلام)، وإنَّ من أحسن التجاوب مع المسلمين في العيد، هو تمثّل هذه الفكرة بنحوٍ وجدانيٍّ عميق، وهي: أنَّ هذا العيد الإسلاميّ الكبير يمرّ على سائر المسلمين في كلِّ أقطارهم، وكلّهم يشاركونه عاطفةً واحدةً وعملاً واحداً، واتّجاهاً واحداً، وفي هذا الشعور ما لا يخفى من الإحساس بالأخوّة مع المسلمين، وبالقوّة بهم، والتجاوب الوجدانيّ معهم.
أمّا في داخل المجتمع الذي يعيش فيه الفرد، فيكون إظهار السرور بأحد أُمورٍ عديدة من المباحات أو الراجحات في نظر الإسلام، يطبّق الفرد منها ما يشاء بحسب إمكانه، ولا يجوز بحالٍ أن يقوم بالفعاليّات المحرّمة؛ إذ لا يطاع الله من حيث يعصى، ولا يجوز استغلال العيد الإسلامي للخروج على تعاليم الإسلام، وما يكون راجحاً في الإسلام لبس الثياب الحسنة، وصلة الرحم، والتزاور مع الإخوة في الله، والبدء بتأسيس مشاريع خيريّة اجتماعيّة يوضع أساسها في يوم العيد، وإدخال السرور على الضعفاء والمحتاجين بقضاء حوائجهم، وحلّ مشاكلهم والتصدّق عليهم، وإشراكهم الفعليّ في إظهار الفرح بالعيد الإسلامي.
النقطة الثالثة: التمثّل لمغزى العيد إسلاميّاً، سواءٌ كان عيداً تشريعيّاً أو عيد مناسبة، فإنَّه لا ينبغي أن يمرّ العيد بدون أن يكون موجباً للتكامل والتربية الذاتيّة، وتعميق الوعي ومزيد التقرّب إلى الله عزّ وجلّ بالأعمال الصالحة.
ويختلف المغزى الذي يتمثّله باختلاف العيد الذي يمرّ به، فللأعياد التشريعيّة نوعٌ من المفاهيم، هي ما ذكرناه من الفراغ عن العبادة وأداء المسؤوليّة وإطاعة الله عزّ وجلّ، وأعياد المناسبات لها نوعٌ آخر من المفاهيم، حيث ينبغي اقتباس مفهوم العيد من المناسبة التي انبثق منها وتمثّل معطياتها الإسلاميّة الواعية، فإن كانت ذكرى انتصارٍ من انتصارات الإسلام، كان معطاها الواعي تمثُّل التضحية والفداء، وأهمّيّة انتشار الإسلام وضرورة العمل الإسلامي البنّاء ونحو ذلك، وإن كانت ذكرى ميلاد أحد أبطال الإسلام، أو ذكرى أحد أعماله الجليلة، كان معطاه الواعي هو تمثّل مستوى عمل صاحب الذكرى ومقدار تضحياته الواعية وآثاره الاجتماعيّة الجليلة، ومقدار ارتباطه بالله عزّ وجلّ سلوكيّاً وعقائديّاً، وكيف ينبغي أن يكون للفرد أُسوةٌ حسنةٌ بصاحب الذكرى، جاعلاً له مثاله المحتذى وعدله المقتدى، سائراً على نهجه، مضحّياً في سبيل هدفه.
النقطة الرابعة: استغلال العيد، كموسمٍ للتجمّع والتفرّغ اجتماعيّاً إلى الدعوة إلى الإسلام، وتبليغه بالحكمة والموعظة الحسنة، وذلك ما كان راجعاً إلى فكرة العيد الواعية ومعطاه الإسلامي من ناحية؛ إذ لا ينبغي أن يتمثّله المسلم منفرداً، بل يجب نشر مفهومه الواعي بين إخوانه المسلمين سخيّاً بذلك مضحّياً في سبيله، مضافاً إلى تبليغ سائر الأحكام الإسلاميّة بمقدار ما يسعه الوقت والقدرة، والتضحية في سبيل توعية الأمّة على سائر جوانب الإسلام.
فهذه هي الوظائف الإسلاميّة الصحيحة، في الأعياد الإسلاميّة الكبيرة.
والحمد لله ربِّ العالمين.
الهوامش
ـــــــــــــــــــــــــــ
(1) أُنظر: لسان العرب 3: 318، وما بعدها، فصل العين المهملة، مادّة (العِيد).
(2) بضمّ الباء، وهو عبارة عن الانتقال من حالةٍ إلى أُخرى في وقتٍ مضبوط بحركةٍ علويّة. راجع تاج العروس 6: 55، مادّة (بحر).
