








سألني أحد الإخوان في الله ما نصّه:
لو أُقيمت دولة إسلاميّة - كما هو المترقّب- فهل يكون الحاكم الأعلى الفقيه العادل أم مَن يكون له أهليّة الحاكميّة من الأُمّة، وعلى الثاني فما نصنع بالحديث: ((قد جعلته عليكم حاكماً))(1) كما هو عنهم (عليهم السلام)؟!
فأجبته بما يلي:
الذي أعتقده - بشكّلٍ عامّ- أنَّه ينبغي أن تتوفّر في رئيس الدولة الإسلاميّة جانبان من الشروط.
الجانب الأوّل: ما يعود إلى الأهليّة في قيادة الدولة من حسن النظر في السياسات الدوليّة والخاصّة، والذكاء وحسن ضبط النفس في المآسي والمزالق، وحسن الأخلاق، ونحو ذلك من الصفات التي تخمّنونها.
والجانب الثاني: ما يعود إلى كونه فقيهاً عادلاً، قوله حجّةٌ بين الله وعبيده. فإن قلنا بتعيين تقليد الأعلم، اشترطنا كونه أعلم، مضافاً إلى الأوصاف الأُخرى التي تعرفونها، وإلَّا اكتفينا بكونه فقيهاً عادلاً.
وهذان الجانبان معاً يجب أن يتوفّرا في الرئيس العامّ للدولة الإسلاميّة. فإن فُقد الجانب الأوّل، فشل من الناحيّة العمليّة. وإن فقد الجانب الثاني، فشل من الناحيّة العلميّة، وينتج عنه وجوب عزله أو فشل الدولة نفسها - والعياذ بالله-.
وعليه فلابدَّ أن نربّي تدريجاً شخصاً يكون جامعاً لكلتا الناحيتين، ودقيقاً في كلتا الجهتين حتّى يكون أهلاً لتولّي الرئاسة الإسلاميّة.
وهذا النحو من الإنسان، وإن كان في المجتمعات الحاضرة يتعذّر تحصيله وتربيته إلَّا نادراً، إلَّا أنَّ ذلك في المجتمع الإسلامي ليس بعزيز - كما هو واضح-. إذن نفهم أنَّه ينبغي تأسيس المجتمع الإسلامي الواعي لتعاليم دينه، مقدّمة لتربية الأُناس الصالحين لتولّي الرئاسة فيه.
إلَّا أنَّ الذي يهوّن من المشكلة إلى حدٍّ ما، هو إمكان جعل الجانبين من الصفات التي تكلّمنا عنها متمثّلة في شخصين لا في شخصٍ واحد.
أحدهما يكون جامعاً لشرائط التقليد، والآخر جامعاً لشرائط السياسي المحنّك المخلص الواعي إسلاميّاً. ونجعل هذا الثاني حاكماً فعليّاً ولكنّه يسير في حكمه على طبق فتاوى الأوّل.
ويكون الحاكم في الجوهر والحقيقة هو الأوّل - يعني: الفقيه-؛ [وذلك]:
أوّلاً: لأنَّ فتاواه هي التي تشكّل قوانين الدولة.
وثانياً: لأنَّه يستطيع عزل الرئيس الفعلي - الرئيس السياسي- متى ما خرج عن الشروط المطلوبة وانحرف عن الحقّ.
ومن هنا نفهم: أنَّنا بالرغم من أنَّنا لم نجعل الفقيه حاكماً فعليّاً، إلَّا أنَّه أصبح حاكماً على الحاكم، وهو من أعظم الحكومة.
أمّا في الشخص الذي يتوفّر فيه كلا الجانبين، فهو فقيهٌ حاكم، في عين الوقت، فهذا هو معنى قوله (عليه السلام): ((قد جعلته عليكم حاكماً))، لو كان المراد التعرّض في هذا الحديث [إلى] مثل هذا المستوى الأعلى من الحكم. غير أنَّ الفقهاء بشكلٍ عامٍّ، فهموا من هذه الحكومة المجعولة للفقيه نفوذ حكمه في القضاء وفصل الخصومات، فكأنَّه قال: ((قد جعلته عليكم قاضياً))، كما ورد في رواياتٍ أُخرى(2)، ومعه يكون الحديث أجنبيّاً عن التعرّض للحكم السياسيّ. والله العالم.
الهوامش
ـــــــــــــــــــــ
(1) الكافي 1: 67، كتاب فضل العلم، باب اختلاف الحديث، الحديث 10، تهذيب الأحكام 6: 218، كتاب القضايا والأحكام، الباب 87، باب مَن إليه الحكم وأقسام القضاء والمفتين، الحديث 6، وسائل الشيعة 27: 137، كتاب القضاء، الباب 11، باب وجوب الرجوع في القضاء والفتوى إلى رواة الحديث من الشيعة ...، الحديث 1.
(2) عوالي اللئالي 3: 518، باب القضاء، الحديث 13، وسائل الشيعة 27: 139، كتاب القضاء، الباب 11، باب وجوب الرجوع في القضاء والفتوى إلى رواة الحديث من الشيعة، الحديث 6.
