








وإذا تحدثنا عن شهر رمضان، وجدنا أوضح مزية له، هو كونه شهر الله سبحانه. فما معنى هذه النسبة إلى الله عز وجل؟.
لا شك أن المخلوقات عموماً تختلف بالأهمية تجاه الخالق سبحانه. بمقدار ما اقتضت الحكمة من ذلك. والله سبحانه غني عن العالمين لا ينفعه قرب القريب ولا يضره بعد البعيد. غير أن ذلك كله في مصلحة المخلوقين ينال كل واحد منها بمقدار استحقاقه. وقد يكتسب- في هذا الصدد- المخلوق درجة عالية من الأهمية والرفعة والقرب المعنوي إلى الله عز وجل، بحيث يكون منسوباً إليه ومضافاً إلى اسمه الكريم. ولذلك أمثلة عديدة، نطقت بكثير منها الآيات الكريمة. كقوله تعالى: (وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ)(١). وقوله تعالى: (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي)(٢). وقوله تعالى: (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ)(٣). وقوله تعالى: (عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاء وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ)(٤). وقوله عز من قائل: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ)(٥). وقال: (أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ)(٦). وقال: (هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ)(٧). إلى كثير من الآيات الأخرى.
فقد نسب في القرآن الكريم العديد من الأشياء إلى الله عز وجل. ونسب بعضها في السنة الشريفة. ومن أمثلتها ما هو مشهور بين الناس من ألقاب الأنبياء الستة الرئيسيين. فآدم صفوة الله و نوح نبي الله وإبراهيم خليل الله و موسى كليم الله وعيسى روح الله و محمد حبيب الله. ويمكن أن يستفاد بعض هذا من القرآن الكريم أيضاً، كما لا يخفى على القارئ اللبيب، فكذلك الحال في شهر رمضان المبارك الذي هو شهر الله لأنه ذو مزية عالية جداً في الإسلام، بحيث نسب بهذه النسبة الشريفة المباركة.
دعنا نسمع الإطراء على هذا الشهر المبارك من احد أدعية الصحفية السجادية للإمام زين العابدين علي بن الحسين (عليه السلام). حين يخاطب شهر رمضان قائلًا:
السلام عليك يا شهر الله الأكبر ويا عيد أوليائه. السلام عليك يا أكرم مصحوب من الأوقات ويا خير شهر في الأيام والساعات. السلام عليك من شهر قربت فيه الآمال ونشرت فيه الأعمال. السلام عليك من قرين جل قدره موجوداً وافجع فقده مفقوداً. السلام عليك من أليف انس مقبلًا فسَرَّ وأوحش منقضياً فمضى. السلام عليك من مجاور رقت فيه القلوب وقلت فيه الذنوب. السلام عليك من ناصر أعان على الشيطان وصاحب سهل سبل الإحسان. السلام عليك ما أكثر عتقاء الله فيك، وما اسعد من رعى حرمتك بك. السلام عليك ما كان أمحاك للذنوب وأسترك لأنواع العيوب. السلام عليك ما كان أطولك على المجرمين وأهيبك في صدور المؤمنين. السلام عليك من شهر لا تنافسه الأيام. السلام عليك من شهر هو من كل أمر سلام. السلام عليك غير كريه المصاحبة ولا ذميم الملابسة. السلام كما وفدت علينا بالبركات وغسلت عنا دنس الخطيئات ... إلى أن يقول: السلام عليك وعلى ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر(٨). إلى آخر كلامه زاد الله عليه من تحيته وسلامه.
ودعنا أيضاً نسمع جانباً من خطبة رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين اقبل شهر رمضان: أيها الناس إنه قد اقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة. شهر هو عند الله أفضل الشهور وأيامه أفضل الأيام ولياليه أفضل الليالي وساعاته أفضل الساعات. وهو شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله وجعلتم فيه من أهل كرامة الله. أنفاسكم فيه تسبيح ونومكم فيه عبادة وعملكم فيه مقبول ودعائكم فيه مستجاب.
فسلوا الله ربكم بنيات صادقة وقلوب طاهرة أن يوفقكم لصيامه وقيامه وتلاوة كتابه. فان الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم(٩).
ومنها: أيها الناس إن أبواب الجنان في هذا الشهر مفتحة، فسلوا ربكم أن لا يغلقها عليكم. وأبواب النيران مغلقة فسلوا ربكم أن لا يفتحها عليكم. والشياطين مغلولة، فسلوا ربكم أن لا يسلطها عليكم .. الخ(١٠).(١١)
ــــــــــــــــــــــــ
(1) الحج، 26.
(2) الحجر، 29.
(3) الفتح، 29.
(4) الاعراف، 156.
(5) ال عمران، 21.
(6) ال عمران، 113.
(7) لقمان، 11.
(8) الصحيفة السجادية دعاء- رقم 45. ص 242. ط بغداد سنة 1988.
(9) مفاتيح الجنان للشيخ القمي. ص 172.
(10) نفس المصدر ص 174.
(11) ماوراء الفقه، ج1، 359- 363.
